کد مطلب:110002 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:161

نامه 045-به عثمان بن حنیف











ومن كتاب له علیه السلام

إلی عثمان بن حنیف الأنصاری

و كان عامله علی البصرة، وقد بلغه أنه دعی إلی ولیمة قوم من أهلها، فمضی إلیها قوله:

أَمَّا بَعْدُ، یَابْنَ حُنَیْف، فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْیَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلی مَأْدُبَة، فَأَسْرَعْتَ إِلَیْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَیْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِیبُ إِلی طَعَامِ قَوْمٍ، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إِلَی مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هذَ الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَیْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَیْقَنْتَ بِطِیبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأمُومٍ إِمَاماً، یَقْتَدِی بِهِ، وَیَسْتَضِیءُ بِنُورِ عِلْمِهِ. أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَی مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْهِ. أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَی ذلِكَ، وَلكِنْ أَعِینُونی بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ. فَوَاللهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْیَاكُمْ تِبْراً، وَلاَ ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلاَ أَعْدَدْتُ لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً. وَ لاَحُزتُ مِنْ أَرْضِهاَ شِبْراً، ولاَ أخَذتُ مِنْهُ إلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ، وَلَهِیَ فِی عَیْنِی أَوْهَی وَ أَهْوَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ بَلَی! كَانَتْ فی أَیْدِینَا فَدَكٌ مِنْ كلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّماءُ، فَشَحَّتْ عَلَیْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قُوْمٍ آخَرِینَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ. وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَغَیْرِ فَدَك، وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِی غَدٍ جَدَثٌ، تَنْقَطِعُ فِی ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِیبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِیدَ فِی زِیدَ فِی فُسْحَتِهَا، وَأَوْسَعَتْ یَدَا حَافِرِهَا،لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ، وَإِنَّمَا هِیَ نَفْسِی أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَی لِتَأْتِیَ آمِنَةً یَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَی جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ. وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَیْتُ الطَّرِیقَ، إِلَی مُصَفَّی هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ، وَلكِنْ هَیْهَاتَ أَنْ یَغْلِبَنِی هَوَایَ، وَیَقُودَنِی جَشَعِی إِلَی تَخَیُّرِ الْأَطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ الْیَمَامَةِ مَنْ لاَطَمَعَ لَهُ فِی الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِیتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِی بُطُونٌ غَرْثَی وَأَكْبَادٌ حَرَّی، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِیتَ بِبِطْنَةٍ وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَی الْقِدِّ.

أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِی بِأَنْ یُقَالَ: أَمِیرُالْمُؤْمِنِینَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِی مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِی جُشُوبَةِ الْعَیْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أَكْلُ الطَّیِّبَاتِ، كَالْبَهِیمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا یُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدیً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِیقَ الْمَتَاهَةِ ! وَكَأَنِّی بِقَائِلِكُمْ یَقُولُ: إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ. أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّیَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالْرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْیَةَ أَقْوَی وَقُوداً، وَأَبْطَأُ خُمُوداً، وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ كَالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ. وَاللهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَی قِتَالِی لَمَا وَلَّیْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَیْهَا،سَأَجْهَدُ فِی أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرضَ مِنْ هذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ، وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ، حَتَّی تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَیْنِ حَبِّ الْحَصِیدِ. ومن هذا الكتاب، و هو آخره: إِلَیْكَ عَنِّی یَا دُنْیَا، فَحَبْلُكِ عَلَی غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِی مَدَاحِضِكِ. أَیْنَ الْقُرُونُ الَّذِینَ غَرَرْتِهِمْ بَمَدَاعِبِكَ ! أَیْنَ الْأَُمَمُ الَّذِینَ فَتَنْتِهِم بِزَخَارِفِكِ! فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَمَضَامِینُ اللُّحُودِ. وَاللهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِیّاً، وَقَالَباً حِسِّیّاً، لاََقَمْتُ عَلَیْكِ حُدُودَ اللهِ فِی عِبَاد غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِی، وَأُمَم أَلْقَیْتِهِمْ فِی الْمَهَاوِی، وَمُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَی التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ، إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ ! هَیْهَاتَ! مَنْ وَطِیءَ دَحْضَكِ زَلِقَ، وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَیُبَالِی إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ، وَالدُّنْیَا عِنْدَهُ كَیَوْم حَانَ انْسِلاَخُهُ. اعْزُبِی عَنِّی! فَوَاللهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّینِی، وَلاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِینِی. وَایْمُ اللهِ ـ یَمِیناً أسْتَثْنِی فِیهَا بِمَشِیئَةِ اللهِ ـ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِی رِیَاضَةً تَهشُّ مَعَها إِلَی الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَیْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً; وَلَأَدَعَنَّ مُقْلَتِی كَعَیْنِ مَاءٍ، نَضَبَ مَعِینُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا. أَتَمْتَلِیءُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْیِهَا فَتَبْرُكَ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِیضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ ؟ وَیَأْكُلُ عَلِیٌّ مِنْ زَادِهِ فَیَهْجَعَ ؟ قَرَّتْ إِذاً عَیْنُهُ إِذَا اقْتَدَی بَعْدَ السِّنِینَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِیمَةِ الْهَامِلَةِ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِیَّةِ! طُوبَی لِنَفْس ٍأَدَّتْ إِلَی رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا، وَهَجَرَتْ فِی اللَّیْلِ غُمْضَهَا، حَتَّی إِذَا غَلَبَ الْكَرَی عَلَیْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِی مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُیُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِم شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِم ذُنُوبُهُمْ (أُولئِكَ حِزْبُ الله، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فَاتَّقِ اللهَ یَابْنَ حُنَیْفٍ، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ، لِیَكُونَ مِنْ النَّارِ خَلاَصُكَ.